تعريف اضطراب عسر القراءة (Dyslexie):
عسر القراءة هو اضطراب عصبي يؤثر بشكل رئيسي على قدرة الفرد على التعرف على الكلمات المكتوبة وتحليلها، ويؤدي إلى صعوبات في القراءة والكتابة والتهجئة رغم توفر مستوى طبيعي من الذكاء والتعليم. يُعد عسر القراءة اضطرابًا في المعالجة اللغوية بالدماغ، حيث يجد المصابون صعوبة في ربط الأحرف بأصواتها وتجزئة الكلمات.
وفقًا للرابطة الدولية لعسر القراءة (International Dyslexia Association)، يُعرّف عسر القراءة على أنه "صعوبة تعلم خاصة ذات أصل عصبي. وتتميز هذه الصعوبة بصعوبات في التعرف على الكلمات بدقة و/أو بطء ودقة ضعيفة في التهجئة. وتنشأ هذه الصعوبات غالبًا نتيجة نقص في الوعي الصوتي، وليس بسبب ضعف الذكاء أو نقص في التعليم"مراجع العلمية
1.الرابطة الدولية لعسر القراءة (International Dyslexia Association):
توضح الرابطة أن عسر القراءة هو اضطراب تعليمي خاص يتصف بصعوبات مستمرة في التعرف على الكلمات بدقة، غالبًا نتيجة قصور في الوعي الصوتي والمعالجة اللغوية .
2.لصحة العالمية (WHO):
تُصنّف منظمة الصحة العالمية عسر القراءة ضمن الاضطرابات التنموية الخاصة بالتعلم، وتؤكد أن هذا الاضطراب يؤثر على القدرة اللغوية ويستمر مع الأفراد طيلة حياتهم .
3.الدليل الإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5):
وفقًا للجمعية الأمريكية للطب النفسي، يصنّف الدليل عسر القراءة ضمن "اضطرابات التعلم الخاصة"، ويُعرف بصعوبات في القراءة تشمل تهجئة الكلمات وفك رموزها، مما يؤثر على الفهم والسرعة في القراءة .
هذه المراجع تقدم إطارًاكاملاً لفهم اضطراب عسر القراءة وتحدد أن هذا الاضطراب ينشأ بسبب عوامل عصبية وجينية تؤثر على كيفية معالجة الدماغ للغة
أعراض عسر القراءة (Dyslexia Symptoms):
تظهر أعراض عسر القراءة بشكل رئيسي في صعوبات القراءة والكتابة والتهجئة. تختلف الأعراض من شخص لآخر، وتتراوح في شدتها بين الخفيفة والشديدة، وغالباً ما تبدأ بالظهور في مرحلة الطفولة عند بداية تعلم القراءة، لكنها قد تستمر حتى سن البلوغ. وتبرز الأعراض كالتالي:
1صعوبة في تمييز الحروف والأصوات (الادراك الصوتي):
يجد المصابون بعسر القراءة صعوبة في ربط الحروف بأصواتها، مما يجعل التعرف على الكلمات المعقدة أو الجديدة صعباً.
2.التأخر في تعلم الكلمات والقراءة بصوت عالٍ:
يميل الأطفال المصابون بعسر القراءة إلى القراءة ببطء وبصوت متقطع، وغالبًا ما يخطئون في نطق الكلمات أو ترتيبها.
3.صعوبة في التهجئة:
يعاني الأفراد المصابون من مشكلات في تهجئة الكلمات، حيث قد يظهرون أخطاءً متكررة في كتابة الأحرف، سواء في بداية الكلمات أو وسطها أو نهايتها.
4.مشكلات في فهم النصوص:
حتى لو قرأ المصاب الكلمات بشكل صحيح، فقد يجد صعوبة في تذكر التفاصيل أو فهم الأفكار الرئيسية للنص.
5.صعوبة في تعلم اللغات الأجنبية:
يجد المصابون بعسر القراءة صعوبة إضافية عند تعلم لغة جديدة، خاصة في ما يتعلق بالتعرف على المفردات والقواعد الصوتية.
أسباب وعوامل اضطراب عسر القراءة (Dyslexia Causes and Factors):
يعود عسر القراءة إلى تداخل عدة عوامل عصبية ووراثية وبيئية تؤثر على كيفية معالجة الدماغ للمعلومات اللغوية. هذه العوامل تختلف من شخص لآخر، وغالباً ما تتفاعل معًا لتؤدي إلى هذا الاضطراب. أهم هذه الأسباب والعوامل تشمل ما يلي:
1.العوامل الوراثية:
تشير الدراسات إلى أن عسر القراءة يميل إلى الانتقال عبر العائلات، مما يدل على وجود عنصر وراثي قوي. حيث أظهرت الأبحاث أن هناك جينات معينة مرتبطة بضعف في مهارات القراءة، منها جينات مثل DCDC2 وROBO1، والتي تؤثر على نمو الدماغ وتطوره بما يتعلق بمعالجة اللغة【Shaywitz et al., 2003】.
2.التغيرات في مناطق الدماغ:
كشفت دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي أن الأشخاص المصابين بعسر القراءة غالبًا ما يظهرون نشاطًا غير طبيعي في مناطق الدماغ المرتبطة بالمعالجة اللغوية، خصوصاً في المنطقة الصدغية اليسرى، والتي تلعب دورًا رئيسيًا في فك الرموز الصوتية للكلمات【Eden et al., 1996】. هذه الاختلافات في نشاط الدماغ تؤدي إلى صعوبات في ترجمة الحروف المكتوبة إلى أصوات.
3. نقص الادراك الصوتي (Phonological Deficit):
يعتبر الوعي الصوتي، أو القدرة على تمييز الأصوات المكونة للكلمات، عاملاً رئيسيًا في القدرة على القراءة. الأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة يجدون صعوبة في تفكيك الكلمات إلى أصواتها الأساسية، مما يؤدي إلى صعوبات في التهجئة والقراءة الدقيقة【Snowling, 2000】.
4.العوامل البيئية:
قد تؤدي بعض العوامل البيئية، مثل التعرض لمضاعفات صحية أثناء الحمل، كالتدخين أو التعرض للتلوث، إلى زيادة خطر الإصابة بعسر القراءة. كذلك، فإن نقص التحفيز اللغوي في بيئة الطفل قد يزيد من صعوبات التعلم【Pennington & Bishop, 2009】.
5.التعرض لمشكلات صحية قبل الولادة أو بعدها:
تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين تعرضوا لمشكلات صحية، مثل انخفاض الوزن عند الولادة أو نقص الأوكسجين، قد يكونون أكثر عرضة لعسر القراءة. هذه العوامل تؤثر على التطور العصبي للطفل، مما يزيد من احتمال ظهور الاضطراب【Ramus et al., 2003】.
تشخيص اضطراب عسر القراءة (Dyslexia Diagnosis):
يتطلب تشخيص عسر القراءة عملية تقييم شاملة، تُجرى عادةً من قبل مختصين في الصحة النفسية، كالأطباء النفسيين أو اختصاصيي علم النفس التربوي. الهدف من التشخيص هو تحديد نقاط القوة والضعف في مهارات القراءة والكتابة، والتأكد من أن الصعوبات في القراءة ليست ناتجة عن مشكلات بصرية أو سمعية أو تأخر عقلي. فيما يلي خطوات ووسائل التشخيص الشائعة:
1.التقييم النفسي والتاريخ الأكاديمي:
يقوم المختص بجمع معلومات حول التاريخ الأكاديمي للطفل أو الشخص من خلال مقابلات مع الأهل والمعلمين، لفهم متى بدأت الصعوبات وما مدى تأثيرها على الأداء التعليمي اليومي. هذا التقييم يساعد في استبعاد المشكلات الأخرى التي قد تؤثر على القراءة【Shaywitz et al., 2008】.
2.اختبارات القراءة والتهجئة:
يعتمد التشخيص على اختبارات قياسية لتقييم قدرة الشخص على التعرف على الكلمات وقراءتها وفهمها، وتهجئة الكلمات بشكل صحيح. تشمل هذه الاختبارات اختبارات الطلاقة والدقة في القراءة، وهي غالبًا ما تُقارن بمستوى العمر أو المرحلة الدراسية للشخص【Torgesen, 2002】.
3.اختبارات الوعي الصوتي:
من الاختبارات الأساسية لتشخيص عسر القراءة هي اختبارات الوعي الصوتي، حيث يقيّم المختص قدرة الشخص على التعرف على الأصوات المكونة للكلمات وتقسيمها. يُعد هذا الوعي الصوتي عاملًا رئيسيًا، حيث يرتبط بالقدرة على فك رموز الكلمات بشكل صحيح【Snowling, 2000】.
4.اختبارات الذكاء واختبارات القدرات المعرفية:
تُجرى اختبارات الذكاء لاستبعاد احتمالية وجود إعاقة عقلية، وللتأكد من أن صعوبات القراءة ليست ناجمة عن انخفاض في القدرات المعرفية العامة، بل هي محددة في مجال القراءة فقط【Fletcher et al., 2007】.
5.التقييم العصبي النفسي:
في بعض الحالات، يمكن أن تشمل عملية التشخيص اختبارات تقييم عصبي نفسي أكثر عمقًا، مثل اختبارات الذاكرة والانتباه وسرعة المعالجة. توفر هذه الاختبارات تفاصيل إضافية عن كيفية تعامل الدماغ مع اللغة وكيفية معالجة المعلومات اللغوية لدى الشخص【Ramus et al., 2003】.
علاج اضطراب عسر القراءة (Dyslexia Treatment):
لا يوجد علاج شافٍ لعسر القراءة، لكن يمكن تحسين المهارات القرائية وتخفيف الأعراض عبر استراتيجيات تعليمية وتدخلات خاصة. يعتمد العلاج على تعزيز مهارات القراءة والكتابة لدى الشخص المصاب، ويشمل عادة أساليب تعليمية مكثفة وتكنولوجيا مساعدة، إضافةً إلى الدعم الأسري والأكاديمي. وفيما يلي أهم استراتيجيات العلاج التي أثبتت الدراسات فعاليتها:
1.التعليم المتخصص القائم على الصوتيات (Phonics-Based Instruction):
يُعد التعليم القائم على الصوتيات من أكثر الطرق فعالية في علاج عسر القراءة. يركز هذا الأسلوب على تعليم المصاب كيفية ربط الحروف بالأصوات، ويشمل التدريب على تجزئة الكلمات إلى مقاطع وفهم العلاقة بين الحروف وأصواتها. وقد أثبتت الأبحاث أن هذه الطريقة تعزز قدرة الأطفال على فك رموز الكلمات وتحسين الطلاقة في القراءة【Lyon et al., 2003】.
2.التدريب المتعدد الحواس (Multisensory Training):
يتضمن هذا النوع من التدريب استخدام الحواس المختلفة لتعزيز التعلم، مثل استخدام السمع والبصر واللمس في التعرف على الكلمات. يساعد هذا الأسلوب في ترسيخ المعلومات اللغوية وتعزيز قدرة المصاب على تذكر الكلمات والتهجئة. ويعتبر برنامج أوريتون-غيلينغهام (Orton-Gillingham) أحد الأساليب المعروفة التي تستخدم هذه الطريقة【Ritchey & Goeke, 2006】.
4.الدعم الأسري والمدرسي:
يمكن أن يلعب الأهل والمعلمون دورًا حاسمًا في دعم المصاب بعسر القراءة. يوفر الدعم العاطفي والبيئة الإيجابية الدافعة الثقة للمصاب، ويشجعه على المحاولة والتدريب المستمر. كما أن توفير مراجع وتسهيلات إضافية في المدرسة يساعد في تخفيف العبء عن الطفل【Snowling & Hulme, 2011】.
5.العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy):
في بعض الحالات، قد يعاني المصابون بعسر القراءة من مشكلات نفسية أو قلق ناتج عن صعوبة القراءة، ويأتي هنا دور العلاج السلوكي المعرفي لمساعدتهم على بناء ثقتهم بأنفسهم وتحسين أدائهم الأكاديمي من خلال العمل على إدارة المشاعر السلبية تجاه القراءة【Alexander-Passe, 2008】.
استراتيجيات داعمة لأطفال عسر القراءة (Supportive Strategies for Children with Dyslexia):
تتطلب مساعدة الأطفال المصابين بعسر القراءة تقديم استراتيجيات داعمة تشجعهم على التطور الأكاديمي وبناء الثقة بالنفس. تساهم هذه الاستراتيجيات في تعزيز قدراتهم على التعلم والاستفادة من مهاراتهم الفردية بطرق ممتعة وتفاعلية. وفيما يلي أبرز الاستراتيجيات التي أثبتت فعاليتها:
1.تشجيع القراءة التشاركية (Shared Reading):
تعتمد القراءة التشاركية على إشراك الطفل مع شخص آخر في قراءة النصوص بصوت عالٍ، سواء كان هذا الشخص أحد الوالدين أو المعلمين. هذه الطريقة تتيح للطفل الاستماع إلى النص وفهمه، كما أنها تمنحه فرصة تقليد الأنماط الصحيحة في النطق والقراءة، مما يسهم في تحسين الطلاقة وتعزيز الثقة بالنفس【Justice & Kaderavek, 2004】.
2.التعزيز الإيجابي والدعم النفسي (Positive Reinforcement and Psychological Support):
من المهم جداً أن يتم دعم الأطفال عاطفيًا ونفسيًا من خلال تعزيز الإنجازات الصغيرة والإشادة بها. يساعد التعزيز الإيجابي في بناء ثقة الطفل بنفسه، ويشجعه على مواجهة تحديات القراءة. كما يمكن أن يقدم المرشدون النفسيون الدعم للأطفال الذين يعانون من القلق أو الإحباط بسبب صعوباتهم الأكاديمية، مما يجعلهم أكثر استعدادًا للتعلم【Alexander-Passe, 2008】.
3.استخدام الكتب المصورة والمواد البصرية:
تساعد المواد البصرية والكتب المصورة الأطفال على الفهم من خلال الصور، وهو ما يُسهم في تعزيز التركيز ويزيد من قدرتهم على استيعاب النصوص. كما أن القراءة باستخدام كتب تحتوي على صور وألوان تجعل العملية ممتعة وتساعد الأطفال على تحسين مهاراتهم اللغوية【Snowling & Hulme, 2011】.
المراجع العلمية
Ritchey, K. D., & Goeke, J. L. (2006). "Orton-Gillingham and Orton-Gillingham–based reading instruction: A review of the literature." The Journal of Special Education. يستعرض هذا المرجع دور التعليم المتعدد الحواس في دعم الأطفال المصابين بعسر القراءة، ويوضح كيف يمكن أن تساعد هذه الطريقة في تحسين استيعاب الكلمات.
Lyon, G. R., Shaywitz, S. E., & Shaywitz, B. A. (2003). "A definition of dyslexia." Annals of Dyslexia. يسلط هذا المرجع الضوء على التعليم التدريجي القائم على الصوتيات وكيف يمكنه تحسين القدرة على فك رموز الكلمات لدى الأطفال المصابين بعسر القراءة.
Peterson-Karlan, G. R. (2011). "Technology to support reading in students with dyslexia." Assistive Technology Outcomes and Benefits. يشرح كيفية استخدام التكنولوجيا المساعدة لتسهيل التعلم ودعم الأطفال في القراءة والكتابة.
Justice, L. M., & Kaderavek, J. N. (2004). "Embedded-explicit emergent literacy intervention I: Background and description of approach." Language, Speech, and Hearing Services in Schools. يقدم هذا المرجع نهج القراءة التشاركية ودورها في تحسين الطلاقة وتعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال.
Alexander-Passe, N. (2008). "The sources and manifestations of stress amongst school-aged dyslexics, compared with sibling controls." Dyslexia. يناقش كيفية تأثير الدعم النفسي والتعزيز الإيجابي على تحسين أداء الأطفال المصابين بعسر القراءة وتقليل مشاعر القلق لديهم.
Snowling, M. J., & Hulme, C. (2011). The Science of Reading: A Handbook. يوضح هذا الكتاب دور الكتب المصورة والمواد البصرية في تعزيز قدرة الأطفال على الفهم والتركيز وتحفيزهم على القراءة.
Shaywitz, S. E., et al. (2003). "Neural systems for reading and the dual-route model of reading."Biological Psychiatry. تشير الأبحاث إلى دور العوامل الوراثية وتأثيرها في تطوير عسر القراءة، بما في ذلك الجينات المؤثرة في النمو العصبي المرتبط بالمعالجة اللغوية.
Eden, G. F., et al. (1996). "Abnormal processing of visual motion in dyslexia revealed by functional brain imaging." Nature. كشفت هذه الدراسة عن اختلافات في نشاط مناطق معينة في الدماغ بين الأفراد المصابين بعسر القراءة وغير المصابين، خاصة في المناطق المسؤولة عن المعالجة الصوتية للكلمات.
Snowling, M. J. (2000). Dyslexia. توضح هذه الدراسة أن أحد الأسباب الأساسية لعسر القراءة هو ضعف الوعي الصوتي، مما يؤدي إلى صعوبة في التهجئة والترابط بين الحروف والأصوات.
Pennington, B. F., & Bishop, D. V. (2009). "Relations among speech, language, and reading disorders." Annual Review of Psychology. يناقش هذا البحث العوامل البيئية المختلفة التي قد تسهم في تطور عسر القراءة، مثل التحفيز اللغوي.
Ramus, F., et al. (2003). "Theories of developmental dyslexia: insights from a multiple case study of dyslexic adults." Brain. تطرقت هذه الدراسة إلى العوامل الصحية التي قد تساهم في تطور عسر القراءة، ومنها تأثيرات المشاكل الصحية في مرحلة الطفولة المبكرة على تطور الدماغ.
هذه المصادر العلمية تقدم فهمًا شاملاً لأسباب عسر القراءة، والتي تتضمن تفاعلاً معقدًا بين العوامل الوراثية والعصبية والبيئية، مما يؤثر على قدرات المعالجة اللغوية ويؤدي إلى هذا الاضطراب